الياباني هيروكازو كوري ايدا في فيلم وحش يدق نواقيس الخطر!

كان – عبد الستار ناجي
يذهب المخرج الياباني هيروكازو كوري ايد في فيلمه الجديد – وحش – الى منطقة قصية في تعرية وتحليل الكثير من القيم الكبري بالذات تلك التى تمس الاخلاق وايضا الاداب الحديثة .
وهكذا توجة ليس بالامر الجديد على هيروكازو كوري ايدا الذى يدهشنا في كل مرة بالطروحات التى يذهب اليها والتى تمس الانسان والمجتمع وقضاياه الكبري . ونشير الى ان كوري ايدا فائز بالسعفة الذهبية والاوسكار عن تحتفه الخالدة – الطفيليون – . التى ناقش خلال جملة من القضايا الاجتماعية التى لفتت الانتباة دوليا لاسلوبه ومنهجيته في الكتابة والاخراج .
وهو هنا في فيلم – وحش – يذهب الى موضوع التعليم والاخلاق وكتابة تبدو للوهلة الاولي معقدة شفافة ترصد التنمر تاره والمثلية الجنسية والاشكاليات الاسرية بالذات فيما يخص فقدان الاب او انصراف الاب عن الابناء . كما يتوقف كوري ايدا امام اشكالية الاحترام غير التقليدي للسطلة المعيبة في الجانب التربوي على وجه الخصوص . وهيمنه وسائط التواصل الاجتماعي . كل تلك المعطيات والحيثيات خلقت وحش كبير مدمر .
يعتمد هيروكازو كوري ايدا على كوكبة من المبدعين وهنا نحن امام ثنائي يشكل اساس الثلاثي الذي يقف علية الفيلم بالاضافة الى المخرج هناك كاتب السيناريو الياباني القدير يوجي سكاماتو وايضا الموسيقار العالمي ريتشي سكاماتو الذى عرف عالميا من خلال موسيقاه لفيلم – عيد ميلاد سعيد سيد لورنس – . وهنا يشكل هذا الثلاثي نبض الفيلم وتعميق دلالاته سواء من خلال النص الثري بالاشارات التى تعري تلك الاخطاء والممارسات التى ساهمت في خلق ذلك الوحش الذي يعيش بيننا وايضا الموسيقي المؤثرة التى تجمع بين البيانو تارة والالات النفخ تارة اخري بعد اتنامي الاحداث ووصولها الى نقطة اللا عودة .
المتن الروائي يبدأ بحريق ضخم ونتابع حكاية طفل يتيم يعيش مع امه يتعرض للضرب من قبل استاذه في المدرسة لتذهب الام مطالبة بالتحقيق والذى يتحول الى اعتذار من قبل الاستاذ بطلب من مديرة المدرسة ولكن الاحداث تتكرر مع مجموعة من الاحداث التى لا نفهم حيثياتها واسبابها . وسرعان من ينقلب السيناريو من نقطة النهاية الى العودة الى البداية لكشف جميع المشاهد والاحداث ومبرراتها . لنكتشف بان صديق ذلك الطفل هو الاخر يعاني من مشاكل وهو يعيش مع والدة السكير والمنفصل عن والدته ويتعرض للضرب يوميا من قبل والده لذا يبدا بالتنمر تاره والبحث عن فضاء امان ليجدة عند صديقه الصغير والذى يقوم معه بعدد من المغامرات في الفصل تاره وخارجه وفي كل مرة يتورط المدرس المسكين بالاتهام ليضطر الى الاعتذار تحت الحاح الناظرة التى تخفي هي الاخري كم الحكايات والاسرار واصرارها على عدم افشاء اسرار المدرسة والتى ستتعرض الى الانهيار . انه الكذب والزيف على الحقائق من اجل استمرارية المدرسة . رغم الاخطاء التربوية والتعلمية وايضا الاسرية والاجتماعية .
طفل عادي حولته الظروف الى نزق مشاكس راح يؤثر على صديقة الاخر .. لتكون النهاية حريق كبير في البار الذى يذهب الية الاب يوميا ونشاهده في بداية الفيلم ولا نعرف حيثيات ذلك الحريق وبقية الاحداث حتى يعود بنا الفيلم من النهاية الى البداية من جديد .
سينما رفيعة المستوى مكتوبة بعناية وعمق وثراء في الشخوص وما تمثله من شرائح انسانية كل منها متورط . فيلم لا يعرض معنية بسهولة وبساطة بل يجعلنا نلهث وراء الاكتشاف والتحليل . حيث تستعاد الاحداث مرات متعددة ومن وجهات نظر مختلفة حتى نصل الى وجهة نظر المشاهد حيث الاكتشاف بان كل الاطفال في المدراس وكل تلك الاخطاء وكل تلك الممارسات التى تبدو هامشية ما هي الا وحش كبير يحيط بالمدينة وعلي وشك ان يدمر كل شئ .
في التمثيل عدد من النجوم الرائعين الذين عاشوا الشخصيات ودلالاتها بعمق واحترافية ونشير الى الام ( ساكورا اندو ) والمدرس ( ايتا نجايامي ) و الابن ( صويا كوركاوا ) . والمديرة ( يوكو تاناكا ) التى قدمت شخصية مركبة باداء صوتي عميق ودفين .
لا يتعلقفيلم – وحش – بما يبدو عليه في البداية . حيث يقضي السرد على سوء الفهم المضلل إلى أن يصل إلى نواة الحقيقة العاطفية ، ويقدم لنا الفيلم الأمل وليس اليأس. كانت العروض التي قدمها ساكورا أندو وإيتا ناجايامي والأولاد هادئة في الصراحة والنزاهة. أما بالنسبة للقصة نفسها ، فيمكن القول إنها مفتعلة قليلاً بغزارة من الغموض ربما لم تكن بحاجة إلى أن تكون كثيفة للغاية. لكن هذا فيلم تم إنشاؤه بذكاء أخلاقي كبير وإنسانية عذبة تجعل المشاهد يخرج من الصالة وهو يلتفت الى اطفاله وجيرانه وكل ما يحيط به .. حتى نفسه . وهنا اهمية الفيلم لانه لا يغادرك بل يظل بداخلك .. لا يطرح الاسئلة فقط بل يدق النواقيس محذرا .



