العالمصحة و جمال

خلال الحمل… هل تساهم بعض الأدوية في زيادة خطر الإصابة بالتوحد لدى الأطفال؟

يمثل الحمل مرحلة حساسة ومليئة بالتحديات في حياة المرأة، إذ يجب على الأم الحامل اتخاذ قرارات دقيقة فيما يتعلق بصحتها وصحة جنينها. يُنظر إلى الأدوية كأحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل خلال فترة الحمل، نظرًا لأن بعض الأدوية قد تكون ضرورية لعلاج حالات مرضية لدى الأم، لكنها قد تحمل مخاطر محتملة على نمو الجنين. وفي السنوات الأخيرة، أثارت العديد من الدراسات العلمية تساؤلات حول العلاقة بين استخدام بعض الأدوية المتعارف عليها أثناء الحمل وزيادة خطر إصابة الأطفال باضطراب طيف التوحد.

اضطراب طيف التوحد هو حالة معقدة تؤثر على النمو العصبي للطفل، وتتسم بصعوبات في التواصل الاجتماعي والسلوكيات التكرارية. ورغم أن العوامل الوراثية والبيئية تلعب دورًا كبيرًا في ظهوره، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن بعض العوامل خلال الحمل، مثل التعرض لبعض الأدوية، قد تزيد من هذا الخطر. لذا، فإن فهم هذه العلاقة واتخاذ الاحتياطات اللازمة يمكن أن يساهم في تقليل المخاطر وتعزيز صحة الأجيال القادمة.

أولاً: الأدوية التي قد تزيد من خطر الإصابة بالتوحد

1. الأدوية المضادة للتشنجات (Antiepileptic Drugs):

تُستخدم هذه الأدوية لعلاج الصرع واضطرابات أخرى، ومن أشهرها دواء “الفالبروات” (Valproate). أظهرت الدراسات أن استخدام الفالبروات خلال الحمل قد يزيد من خطر إصابة الطفل بالتوحد واضطرابات النمو العصبي الأخرى. يعود ذلك إلى تأثيره على تطور الجهاز العصبي للجنين أثناء تكوينه.

2. مضادات الاكتئاب (SSRIs):

مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل “فلوكسيتين” و”سيرترالين”، تُستخدم لعلاج الاكتئاب والقلق. بعض الدراسات أشارت إلى أن التعرض لهذه الأدوية في الثلث الثاني والثالث من الحمل قد يرتبط بزيادة طفيفة في خطر التوحد. مع ذلك، لا تزال الأدلة غير قاطعة وتحتاج إلى مزيد من البحث.

3. الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs):

مثل “الإيبوبروفين” و”النابروكسين”. أظهرت بعض الأبحاث أن الاستخدام المفرط لهذه الأدوية خلال الحمل قد يؤثر على تطور الدماغ لدى الجنين، مما يزيد من خطر اضطرابات النمو العصبي.

4. أدوية السكري (مثل الميتفورمين):

رغم أن “الميتفورمين” يُستخدم بشكل شائع وآمن في علاج سكري الحمل، إلا أن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى احتمالية وجود علاقة بين استخدامه وزيادة خطر اضطرابات التوحد لدى الأطفال، ولكن هذا المجال لا يزال قيد الدراسة.

ثانيًا: كيفية تجنب هذه المخاطر والتوصيات الطبية

1. استشارة الطبيب دائمًا:

يجب على المرأة الحامل عدم تناول أي دواء دون استشارة طبيب متخصص. الطبيب سيقوم بموازنة الفوائد والمخاطر لكل دواء.

2. البحث عن البدائل الآمنة:

في بعض الحالات، يمكن استبدال الأدوية التي قد تكون ضارة بأخرى أكثر أمانًا. على سبيل المثال، قد يوصي الطبيب بعلاجات غير دوائية مثل العلاج النفسي بدلاً من مضادات الاكتئاب، إذا كان ذلك ممكنًا.

3. اتباع الجرعات المحددة بدقة:

حتى الأدوية الآمنة نسبيًا قد تصبح خطيرة إذا أُخذت بجرعات زائدة. الالتزام بالجرعات الموصى بها يقلل من المخاطر.

4. متابعة الحمل عن كثب:

الحصول على رعاية طبية منتظمة أثناء الحمل يساعد على مراقبة تطور الجنين واكتشاف أي مشكلات مبكرًا.

5. التثقيف الصحي:

على المرأة الحامل أن تكون على دراية بالمخاطر المحتملة لبعض الأدوية وتحرص على استشارة الطبيب أو الصيدلي عند الحاجة.

ثالثًا: حالات أثارت الجدل

1. قضية الفالبروات في أوروبا:

في عام 2018، أصدرت وكالة الأدوية الأوروبية تحذيرات مشددة بشأن استخدام الفالبروات أثناء الحمل، بعدما تبين أنه يضاعف خطر الإصابة بالتوحد واضطرابات أخرى مثل فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD). أثارت القضية نقاشًا واسعًا حول ضرورة توفير معلومات أفضل للحوامل بشأن مخاطر الأدوية.

إن مرحلة الحمل تُعتبر من أكثر المراحل حساسية في حياة الأم وجنينها، وتتطلب عناية فائقة وقرارات مدروسة. وبينما قد تكون بعض الأدوية ضرورية للحفاظ على صحة الأم، فإن تأثيراتها المحتملة على الجنين، بما في ذلك خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد، تظل قضية يجب أخذها بعين الاعتبار.

من خلال التعاون مع الأطباء والمختصين، يمكن للأمهات الحوامل اتخاذ خطوات لتقليل المخاطر، مثل اختيار بدائل أكثر أمانًا، والالتزام بالجرعات المحددة، والتأكد من متابعة طبية منتظمة. وفي النهاية، تبقى الوقاية والتوعية الوسيلتين الأهم لضمان ولادة جيل صحي يتمتع بفرص أفضل للنمو والتطور السليم.

الوعي الصحي هو الأساس، والقرارات المدروسة اليوم تُثمر أطفالًا أصحاء في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى