ثقافة

الفيلم السعودي نورة.. الخلل في الورق!

جدة – عبد الستار ناجي


ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي في دورته الثالثة 2023 عرض الفيلم السعودي ( نوره ) سيناريو واخراج توفيق الزايدي .
فيلم ياخذنا الى حكاية قرية بعيدة عن الزمن رغم الاشارة الى ان الاحداث تجري في تسعينيات القرن الماضي عن حكاية فنان تشكيلي ( نادر ) يعقوب الفرحان ترك الرسم الى التدريس في تلك القرية ليتعرف على ( نوره ) ماريا بحراوي التى اضطرت هي وشقيقها الى الذهاب الى القرية من المدينة بعد وفاة والديها ..

حكاية تعاني من ايقاع بطئ يقترب من السكون بل الانغلاق التام في وجه كل شئ يدعو الي التغيير من الدراسة الى الكهرباء وغيرها .

ايقاع لا يتحرك ولا يكاد يتطور في تلك القرية ( صورت المشاهد في العلا – ويقترن اسم العمل بانه اول عمل سعودي تم تصويره في تلك المدينة الساحرة ) . علاقة بالكاد تتقدم خطوات عبر مسيرة الفيلم . حيث تسعي ( نوره ) لان يرسمها المدرس ( نادر ) لانها تتمني ان تري صورتها في المتاحف وهي الفتاة التى تتابع المجلات التى تهرب اليها من قبل صاحب البقالة الهندي .
وتمضي الاحداث بذلك الايقاع المترهل المتراخي الذى كان بأمس الحاجة الى نقله بالذات بعد اللقاء الذى راح يتكرر بين ( نوره ) و( نادر ) وفي المقابل غيره ابن عمها وتحفظ المجتمع الذى كان معزولا عن الحدث ففي تلك القرية لا نري بشر سوي اسرة نوره رغم وجود عدد من الاطفال في الفصل فاين اسرهم وايقاع حياتهم وتفاصيل معيشتهم الا من هوامش لا تثري الحدث بل تزيده عزله كمشهد ( العزومة ) و( رغبه احد اولياء الامور الاخذ ابنه لمساعدته في العمل .. هوامش لتعبئة الوقت وليس لمزيد من العمق والتحليل للشخصيات والحالة والمنطقة الرافضة للتغيير والتطور .

وبعد مسيرة طويلة ترفض القرية وجود المدرس ليتم طرده ورفض كل شي يخص التغيير والتدريس وبناء الانسان والمجتمع . وما هو اخطر من كل ذلك اننا نكتشف بان ( المدرس ) جاء بطلب من جد ( نوره ) الذى يريد استرجاعها وليس من قبل وزارة التربية لتدريس الطلبة وتعليمهم . لذا نحن امام مدرس هارب من ذاكرة الامس ( يحرق صورة نسائية كان يعرفها ) وهو اجير للجد وهدفه رسم ( نوره ) فقط . هذة الالتباسات سببها الورق ونعني السيناريو الذى لا يتحرك ومشبع بالهوامش والخلل .

التباسات تشكل علامات استفهام فمن شيخ القرية الذى طلب حضور مدرس كبديل للمدرس السابق نراه لاحقا يرفض وجود المدرس الذى نكتشف بانها ( اجير لرسم نوره من قبل جدها ) وقرية ساكنه ترفض التغيير ولو ما رسنا الاسقاط على اللحظة سنكون امام علامات استفهام كبيرة فنحن امام قرية لا تريد التغيير وهذا ما يخلص اليه الفيلم وهو بلا شك امر خطير قياسا بما يتحقق من متغيرات وقفزة حضارية واجتماعية جبارة بتوجيهات رسمية وتفاعل ومشاركة شعبية شاملة .
فلماذا تلك الالتباسات . التى تصدح بالاسئلة وكيف لنوره التى رضخت في ان تبقي فى القرية بطلب واوامر ابن عمها في ان تشاهد لاحقا ( في المشهد الاخير ) صورتها في احد المعارض . أسئلة نظل نبحث لها عن اجابة .

تلك التقليدية ( الكلاسيكية ) في السياق اعتبارا من وصول المدرس ( والسيارة المعطوبة في الطريق ) الي مضي الاحداث بايقاعها لم تكن بحاجة الى تلك الاستعادة للاحداث لمعرفة اسباب وجود نوره مع شقيقها في القرية في بيت عمتها لان الاحدث مرت عليها .
وحينما نذهب الى جملة بان فيلم ( نوره ) هو اول عمل سعودي صور في العلا فأين العلا في الفيلم . لقد ظلت العلا دائما في الخلفية غير فاعلة وغير مؤثرة وليس جزءا اساسيا من الحدث وهو امر يعود مجددا الى الورق ( السيناريو ) فالعلا ليست مجرد اصطياد ( ضب ) !وهنا تاتى الحاجة لمزيد من العمق في استثمار المكان ليكون جزءا اساسيا ومحوريا في الحدث .
ثيمه ( الفن كوسيلة للتواصل ) لم تتحق بالشكل الذى يدعو للتغير الانساني والمجتمعي بل ان ( الحب ) لم يثمر ولم يزهر وهنا خلل محوري اخر لان العلاقة بين نوره ونادر ظلت متشظية هى تريد العودة لجدها ولا تفكر بشئ اخر وهو يريد رسمها لتحقيق اهدف ذلك الجد ولا يفكر بشئ اضافي حتى رغم اشاره ( حرق ) صورة صديقة سابقة وهو ما توقعنا بأنه يؤسس الى علاقة وحب وتغيير .. وفي الفيلم اشاره الى حرق صالات العرض والمعارض وهو امر يدعو الى حتمية التغيير وهذا لا يتحقق لان سطوه المجتمع وعدم الرغبة في التغيير تعيق ذلك الخطاب والموقف حتى يخلو الفصل من الطلاب بقرار جماعي ويتم قمع العلاقة والتواصل والبذرة التغيير لتبقي القرية في ظلمتها .

في الاداء نحن امام تجربة تدعونا للمطالبة بمزيد من الاهتمام بالتمثيل واساليب الاداء وهو امر يحتاج الى مزيد من الاشتغال على ( الممثل ) لذا يتفاوت الاداء بين اداء متماسك متطور من قبل الفنان يعقوب الفرحان ( المدرس ) مع تفاوت صريح من قبل بقية الشخصيات . وان كان حضور النجم القدير عبدالله السدحان يتطلب مساحة اكبر لاستثمار تلك الخبرة العريضة وليس مجرد مشاهد ضيقة مستعادة حوراتها هشه رغم ما تمثلة الشخصية من ثقل . ولكنه وكما اسلفنا ( الورق ) الذى ظلم ايضا ماريا البحراوي حتى رغم الانشغال ( مدير التصوير ) بتفاصيل ملامحها عبر ( كلوز اب) غطي كل ملامح وجهها دون الذهاب الى عمق الشخصية .

في الفيلم غابت اللغة البصرية التى تحقق للفيلم هويته وهذا ما لاحظناه ايضا مع الموسيقي التصويرية للفيلم التى ظلت بعيدة كل البعد عن مناخات العمل واحداثة حتى الاستعانه باغاني تلك الحقبة الزمنية جاء كحل هامشي لا يعمق بل هو مجرد حل توفيقي .
ونعود الى بيت القصيد ..
فيلم ( نوره ) يعاني من خلل صريح في الكتابة انعكست على المضامين التى حينما نسقطها على الواقع والمتغيرات تشكل علامة استفهام كبيرة لاننا امام عمل سينمائي يقول .. القرية لن تتغير .. بينما الواقع يقول عكس ذلك لاننا امام شمس اشرقت ولن تغيب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى