ثقافة

الأفلام السعودية القصيرة.. مؤشرات ودلالات!

جدة – عبد الستار ناجي


المشاهدة المتاملة لعروض مسابقة الافلام السعودية القصيرة تجعل المتابع الراصد امام مؤشرات هي في الحقيقة رغم ايجابيتها الغالية الا انها تحمل دلالات تتطلب كثير من الاشتغال والبحث والتطوير وقبل كل هذا وذاك احتضان تلك المواهب والاخذ بيدها الى افاق ابعد وارحب واخصب تتجاوز كل الصيغ المطروحة والتى تتماشي حتى الان مع مراحل التاسيس والتشكيل والبحث عن الهوية .
وقبل الذهاب الى تظاهرة الافلام السعودية القصيرة نتوقف عند الفيلم السعودي ” كوره ” للمخرج زياد الزهراني الذى عرض فيلمه في المسابقة الدولية للافلام القصيرة والذى ياخذنا الى حكاية في الحقيقة مجرد ذريعه لتمرير الشكل الذى ارده لفيلم وهي يحكي قصة طفلين في منزل ريفي في الرياض يكتشفان خلال لهوهما انها محتجزين من قبل صاحبة المنزل ” ام نايف ” التى تعانى من اضطرابات نفسية تجعلهما يدوران في حلقة من التساؤلات . عبر نص مكتوب بذكاء وعمق وسلاسة وايضا مقدرة على السيطرة على الشخصيات وتحريكها في ذلك المكان الذى اضاف الكثير للتجربة .
فيلم ” كوره ” السعودية يؤكد باننا امام موهبة سعودية تمتلك ادوراتها وعي حرفتها عبر نص يبدو للوهلة الاولي سهلا بسيطه وسرعان من يورطك في متعة المشاهدة .
وضمن ذات المسابقة ياتى فيلم ” شريط فيديو تبدل ” للمخرجة السعودية مها ساعاتي وبذكاء شديد تستدعي المخرجة الساعاتي احدي اغاني وفيديوهات المطرب الشهير كوران في مرحلة منتصف الثمانينيات لتكون مدخلا لحكاية علاقة جديدة حيث يقوم شاب اسمر بمحاولة الايقاع ولفت انتباه احدي الصبايا بذات المنهجية التى استغل عليها الفيديو كليب السابق لكوران ولان الظروف مغايرة والازمنة والامنكة تاتى النتائج . عبر اشتغال ذكي تشير الى اننا امام مخرجة تمتلك ادواتها وحسها الفني والمقدرة على المزج بين الفنون واستلهام الموروث الفني ليكون مدخلا لتجربتها السينمائية . وترسيخ اهتمامها الواضح بالمراة وقضاياها التى باتت بمثل نهجا صريحا في جميع تجاربها السينمائية وهو امر يفترض من الجهات المعنية الاستغال علية ومباركته ودعمه لانها الاقرب الى فهم مجتمعها وقضاياه وظروفه ..
وتاخذنا مسابقة الافلام السعودية القصيرة الى مجموعة افلام لافته ومنها فيلم ” ياحظي فيك ” للمخرجة الشابة نورا ابو شوشه وهي منذ اللحظة الاولي تشير الى اننا امام مخرجة سعودية ستذهب مباشرة الى تحقيق عملها الروائي الطويل في القريب العاجل لما تمتلكة من احترافية ولغة سينمائية ومقدرة على ادارة الممثلين والارتفاع بسويتهم على صعيد معايشة الشخصيات والحدث .
حكاية سلمي واحمد . الزوجين الحديثين . حيث تعاني سلمي من اضطرابات هي في الحقيقية هوس نتيجة الاكتئاب والضغوط ومن بينها وفاة والدتها والعمل وترتيبات الزواج ورغم كل الممارسات الحادية والتصرفات يظل زوجها احمد اكمال الطريق والوقوف الى جوارها عبر استخدام ذكي لاغنية عبدالحليم حافظ ” انا لم علي طول ” .
ولكن قبل كل ذلك نحن امام مخرجة موهوبة في رسم الكادر والارتفاع بوتيره الاحداث والمشاهد وايضا فهم الحالة وظروفها .
وهنا نجدد القول باننا امام اسم سيكون له كثير من الشان في السينما السعودية والخليجية وتذكروا جيدا نورا ابو شوشه .
في فيلمه ” رقم هاتف قديم ” يؤكد المخرج علي سعيد عمق ثقافته السينمائية واهتمامة برسم الكادر وحركة الكاميرا واداء الممثل وبناء المشهد مما يؤكد باننا امام حضور سينمائي عال المستوى يمثل احد الرهانات المستقبلية لصناعة السينما السعودية .
يختار المخرج علي سعيد موضوعة ليكون مبرر وذرعة لتمرير كل ذلك الارث الثقافي الذى يحمله والصور والمشهديات التى تراكمت عبر مسيرة طويلة جمعت بين الصحافة والسينما . ولعل الفيلم رحلة رحلته التى اقترنت برحلة حامد لتجاوز كل ارث الماضي والسفر الى تلك الرحلة الروحانية والتى سبقها التوقف للاعتذار من شخص من رصيد الامس .
وفي تلك العمارة التى تمثل بطلا اساسيا من ابطال العمل وايضا حركة المشهد التى توزعت على السلم بكل مراحل وتطورها حتى النهاية تمثل مرحلة جديرة بالدراسة والتحليل لمخرج شاب صنع من ذلك المشهد البسيط بناء درامي متاكل له بداية ووسط ونهاية .
على سعيد ليس بالاسم العابر في رصيد السينما السعودية الجديدة بل هو ركن اساس نعول عليه الكثير في قادم الايام .
وضمن عروض مسابقة الافلام السعودية هنالك عدد من الاعمال وفي الاثار والوثائقي اتوقف عند فيلم ” من ذاكرة الشمال ” للمخرج عبدالمحسن الشمري الذى قدم لنا وجبة سينمائية ثرية حول تبعيات واثار حرب الخليج والغزو العراقي لدولة الكويت حيث نتابع اراء وذكريات عدد من الشخصيات التى شهدت عذابات وويلات تلك الايام من بينها صور وافلام يتم الكشف عنها للمرة الاولي تمثل مصادر اضافية وصور نادرة حينما ستكتشفها القنوات ووسائل الاعلام ستجد في ذلك الفيلم كنز ثري ومصدر سخي عن تلك الايام . ادار المخرج الشمري دفة التجربة بكثير من الالتزام في تطور وتنامي يطورالعلاقة بين المشاهد والعرض .
ويبقي ان نقول ..
الافلام السعودية القصيرة في مهرجان البحر الاحمر السينمائي تحمل الكثير من المؤشرات لجيل يمثل الرهان المستقبلي لصناعة السينما السعودية والخليجية بشكل عام كما تدعونا تلك المؤشرات الى المزيد من الدعم والاسناد لتلك الكوادر سواء عبر انشاء المعاهد السينمائية المتخصصة او التشريعات التى تحمي تلك الكوادر وتمنحها المقدرة والفرصة لمزيد من العمل والانجاز .. وشكرا لمهرجان البحر الاحمر السينمائي على تلك الجرعة السينمائية السعودية الشابة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى