مقالات الرأي

من محنة إلى منحة…

لا شك أن الحياة ..مواقف، تختلف علينا كما هو الشأن في اختلاف الليل و النهار، وفي تعاقب الفصول، و تتالي التجارب الحياتية، و ملاقاة الأشخاص بتنوع مشاربهم، اختلاف و تعاقب و توالي و تتالي لا يصطبغ بالضرورة دوما بصبغة الجمال بل قد يلبس أحيانا لبوس الجلال.

إن تاريخ البشرية مليئ بالدروس و العبر التي يمكن الاقتباس منها للاستفادة من كل موقف أو مرحلة أو تجربة نمر منها، لكن تلك التجارب المفيدة و إن كانت تترى في مخزن التاريخ الا أنها تحتاج إلى تنقيب وسط متلاشيات تجارب خواء قبرت مع أصحابها.

تنبهنا الكاتبة و الصحفية الأمريكية جانيت وولز الى ضرورة قلب المحنة الى منحة، حين تعبر عن هذا المعنى في كتابها الرائع الموسوم ب”قلعة الزجاج” قائلة “في بعض الأحيان، نحتاج إلى أزمة لزيادة تدفق الأدرينالين ومساعدتك على تحقيق إمكاناتك.

عند كل أزمة تمر بالانسان يرسل المخ أوامره الى الغدة الكظرية المسؤولة عن افراز الادريالين الذي لا يخفى دوره في اعطاء دفعة قوية لنشاط الجسم، الذي قد يحتاجه خلال الأزمة، حتى يستطيع استيعاب نوع الموقف و التصرف بشكل حكيم، اما بسرعة ، ان كان الموقف يتطلب ذلك، و اما بتريث في الحالات التي تتطلب الروية، فيستطيع في الأخير تجاوز التجربة بنجاح.

لا غرو ان التجارب و الاختبارات التي نمر بها في حياتنا تترك وراءها زيادة في الوعي و الفهم، لذلك يرى الكاتب و الفيلسوف البريطاني بول برونتون في نفس المنحى أن “كل اختبار يتم تحقيقه بنجاح يكافأ ببعض النمو في المعرفة البديهية ، أو تقوية الشخصية ، أو البدء في وعي أعلى”.

يعطي الادريالين الطاقة الكيميائية اللازمة لتجاوز الأزمات، لكنه لا ينبغي أن يسبب قلقا متزايدا قد تسبب في آلام مزمنة في الرأس أو حتى في مناطق مختلفة في الجسم لذلك ينبغي ان تسهم العواطف أيضا في تحقيق التوازن المطلوب، ينصحنا الكاتب الهندي أميت راي في كتابه الموسوم اللاعنف :السلطة المتحولة بقوله “في كل أزمة ، شك أو ارتباك ، خذ المسار الأعلى – طريق التعاطف والشجاعة والتفاهم والحب”.

من التجارب الرائدة في التاريخ التي حولت محنة معاصرة زمن الطاعون الى منحة هو توفر الوقت لدى اسحق نيوتن حين هرب الى القرية بعد ان كان يقطن بمدينة كامبريدج مدرسا بكليتها، حيث ساعدته عزلته بالقرية و خضرتها على التأمل العميق مما ساهم في حل مجموعة من المشاكل الرياضية التي كانت تشغله ومنها اكتشافه لمفهوم الجاذبية الفيزيائي.

بقلم: د محمد غاني، كاتب ، المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى