ثقافة

فيلم أر. إم. إن .. العنصرية تتفجر في رومانيا!

كان – عبد الستار ناجي


يعتبر المخرج الروماني كرستيان منجيو أحد أبرز الرهانات السينمائية الرومانية والأوروبية بالذات بعد تألقه في تقديم فيلم اربع اشهر وثلاثة اسابيع ويومين الذي نال عنه السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي العام 2017 ليحقق قفزة كبرى عبر لغته السينمائية والاحترافية العالية التي تعامل بها مع موضوع يتناول بالنقد العميق لمرحلة الرئيس الروماني الاسبق اندريه تشوتسكو .


واليوم حينما يعود كرستيان منجيو الى كان فإنه يقدم لنا تجربة سينمائية لا تقل أهمية ومكانة عن جملة تجاربه السابقة ومنها – حكايات العصر الذهبي – و – جاف التلال – و – التخرج من البكالوريا – .


فيلمه الجديد يحمل عنوان – أر . أم . أن – وهو اختصار لمصطلح – الاشعة السينية للدماغ – حيث يقدم لنا منجيو فيلم محكم الصنعة متماسك كما تكشف لنا الاشعة السينية فانها يعمل على التركيز على الحالة الراهنة لرومانيا ولا يتردد في الكشف عن عناصر الخلل في التحول الاجتماعي والنقد الصريح للعنصرية الواضحة تاره اتجاه الغجر واخري اتجاه العماله الاجنبية القادمة من اسيا على وجه الخصوص التى يرفضها المجتمع الروماني كما يرفض العرب والمسلمين وكل الملونيين .


تجري الاحداث فبيل ايام قليلة من اعياد الميلاد حيث يفترض ان تتجمع وتتوحد الاسرة الرومانية او الاوروبية بشكل عام . حيث نتابع حكاية ماثيو الروماني الذي يفقد عمله في احدي مذابح الاغنام في المانيا حينما يصفة احد زملاءه في العمل ب – الغجري – مما يضطره الى ضربة والهروب عائدا الى احدي مدن رومانيا بعيد عن العاصمة بوخارسيت . وهي مدينة ترانسلفينان المليئة بعدد الطوائف والاديان . في البداية يواجه حادثة غريبة تعرض لها ابنه الصغير خلال توجهه لمدرسته جعلته عاجز عن النطق والخوف من العودة الى ذات الطريق الذى يسير به يوميا ويحاول ماثيو مرافقة طفله يوميا للعودة التدريجية للمدرسة . كل ذلك على خلفية توتر العلاقة من زوجته ومحاولته لعودة العلاقة مع حبيبته السابقة والتى انفصلت عن زوجها وهذة الاخيرة تدير احد المخابز الالكترونية التى تامن الخبر للمنطقة والتى تضطر امام الحاجة للعمالة ان تستعين بعمالة قادمة من سيرلانكا امام الكلفة المرتفعة للايادي العاملة الرومانية او تلك القادمة من اوروبا .


ولكن القرية تشتعل عضبا عنصريا رافضه العمالة التى جاءت من سيرلانكا بحجج واهية تاره بالاتهام بانهم مسلمون وبعد الاكتشاف بانهم مسيحون تاتى الاتهامات بانهم ليسوا من اوروبا وايضا الاتهام الكاذب بانهم لا يتمتعون بالنظافة وغيرها من التهامات التى تظل تحاصر العماله في كل مكان عبر طرح عنصري شوفني اعمي لا يري التغيير والمنطق والتطور الحقيقي واحتياجات كل بلد من اجل النهوض .


تتداخل الاحداث طفل فقد النطق لا نعرف حيثيات الحادثة فهل تعرض للتحرش او شاهد دبا وهو يقطع الغابة الى مدرسة ورجل بلا عمل وقسيس يحاول ان يسترضى سكان القرية على حساب القيم الدينية والانسانية الكبري وشابة تحاول ان تساعد بلاده من خلال المصنع الذي تديره والمجهز تقنيا وبموصفات صحية وانتاجية عالية الجودة .
حتى ياتى المشهد الاكثر اهمية والمدهش الثري حيث يلتقي ابناء القرية بجميع اطيافهم عبر مشهد ثابت لاكثر من ربع ساعة وحوار يبدا منذ اللحظة الاولي وهو يعزف على اوتار العنصرية البحته التى تغرق بها رومانيا والكثير من دول العالم ضد كل ما هو اجنبي وملون ومختلف .


مشهد سينمائي يعرفنا عن حالة الاقتدار العالي المستوى الذى يتمتع به هذا المبدع الروماني الرصين كرستيان منجيو الذى قام ايضا بكتابة السيناريو والحوار من خلال لغة تحمل التصادم والمواجهة والكشف الصريح للذات المتطرفة والتى لا ترضي بالحوار او التفاهم .


سينما كرستيان منجيو سينما تذخنا الى التحليل الصادم والدخول في التباسات يظل محورها الاساس تسليط الضوء على القضية المحورية . ففي عالم العنصرية ستسكت الاجيال ولن تستطيع المضي الى المستقبل وستكون هناك عزله بين الاجيال والطوائف وقبل كل هذا وذلك لن تكون البلد قادرة على المضي قدما وتلبية احتياجات عبر الاستعانه بالعمالة المتخصصة من انحاء العالم .


وفي المشهد يبلغ ماتيو عن انتحار والده وفي مشهد يعمل على كشف الكثير من الغموض ومن بينها ان مشاهدة ابنه وهو في الطريق الى المدرسة حلما عن رجل منتحر وكانه يري المستقبل وحينما يحاول ماثيو للحماية ابنه يكتشف بانه الغابة مليئة بالدببة التى تمثل التوحش الذي يحيط به وبالتالي بلاده ومستقبله وعلاقاته الانسانية والاجتماعية .


قدم شخصية ماثيو – مارين جريجور – باداء عال ومفهم كبير للشخصية والاشكاليات التى تعانى منها والظروف التى تحيط به ومن بينها العنصرية المكتومة والعلاقة المزدوجة بين زوجته وحبيبته وايضا غضب اهل القرية وعنصريتهم الصريحة .


مدير التصوير تيدور فلاديميير باندرو واحد من الرهانات الايجابية للفيلم عبر الحلول البصرية التى قدمها بالذات في مشهد الاجتماع الذى انتقل من الكنسية الى المركز الثقافي وكان المؤسسة الدينية والسياسية والاجتماعية بكاملها متطرفة عنصرية رافضة للاخر حتى الغجر من ابناء البلد الروماني .


كرستيان منجيو يدق ناقوسا كبيرا .. احذروا العنصرية لانها انتحار للاجيال وصمت للجيل المستقبل ودمار سياسي واجتماعي شامل


هكذا تكون السينما حينما تذهب الى الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى