ثقافة

فيلم البطل للإيراني أصغر فرهادي: حينما ينقطع الأوكسجين النقي!

عبد الستار ناجي – جدة


لعله الانتاج السينمائي الأهم لعام 2021 ذلك الذى يحمل عنوان ( البطل ) للمخرج الايراني المتميز اصغر فرهادي . سينما تاخذنا الى حكاية تبدو بسيطة للوهلة الاولي ولكن كلما ذهبنا الى اعماقها اكتشفنا ابعادها ومضامينها ومساحة الالم والقسوة التى تفجرها في كل لحظة ومشهد حيث تتداعي الشرور من كل حدب وصوب لتمنع نسمات الفرح ان تطل حتى ولو على استحياء .


سينما من نوع مختلف تلك التى يقدمها هذا المبدع الايراني الرصين اصغر فرهادي الذى فرد جناحية ليحلق عالميا منذ مرحلة مبكرة من مشواره السينمائي العامر بالانجازات والبصمات التى من الصعوبة بمكان رصدها او حصرها .

لاننا امام حالة ابداعية متوهجة . ترتكز على رصيد ابداعي وزخم فكري يشتغل على معادلات الانسان وظروفه .


في فيلم ( البطل ) وبعد عملين اخريين قدمهما فرهادي خارج الحدود الايرانية ياخذنا في جديدة الي حكاية ( رحيم ) المسجون بسبب تخلفه عن تسديد ديون مستحقة عليه إثر شكوى من شقيق زوجته السابقة . تعرض عليه صديقته الجديدة أن تسدد قرضه بعملات ذهبية من حقيبة وجدتها في احد الشوارع الا انه يقرر ان يعيد الذهب لاصحابة لانه يعلم الم ومعاناة من فقد ذلك المبلغ الذى قد يمثل كل ثروته . ( رحيم ) يضحي بحريته ودفع المبلغ المطلوب منه مقابل ان تعود ليرات الذهب الاصحابها . وحينما يعلن عن مبادرته ويسلم الذهب . يقوم فريق السجن عن الاعلان عن تلك المبادرة البطولية من اجل اخفاء اثار جريمة انتحار حدثت في السجن . كما تبادر احد الجهات الخيرية لجمع التبرعات من اجل تامين المبلغ للافراج عنه . ولكن الطريق الى البطولة والعفو يواجة كم من المعوقات هى في الحقيقة تعبر وتجسيد لكم من الشرور الانسانية التى منع الفرح وتحبط المسيرة الى السلام النفسي والاجتماعي . احقاد وادران اجتماعية تتفجر ويتناثر معها صديد ازمات انسانية واجتماعية مشبعة بالعفن الاخلاقي الذى تنهال معاوله من كل حدب وصوب لتدمير الاخرين وتشويههم .


فيلم ( البطل ) تشاغل على تلك الحكاية يذهب الى ادق التفاصيل التى تحيك ب ( رحيم ) منذ المشهد الاول الذى يراتقي من خلال مجموعة السلالم في الاماكن الاثرية وكان اصغر فرهادي يشير الى صعوبة ما هو قادم من احداث وايام ولحظان ومواجهات .

صعود لاهت ومجتمع يبدو للوهلة الاولي متناسق متناغم ومتسالم فاذا بالكل يحمل مخالبة ومعولة التى تنال الجميع . والكل يفكر بطريقته الخاصة ومنظوره الخاص ومصلحته ويمنع عن الاخرين كل الاوكسجين النقي للتغيير وتجاوز العثرات صوب المستقبل . وحينما ينقطع ( الاوكسجين ) يفسد كل شئ .


شخصيات مكتوبة بعناية وعمق وتحمل دلالات تتجاوز الفعل الاحادي الى تحليل عميق للمجتمع والمتغيرات التى تحيط به والظرف المضوي الذي يحيط بها ويمارس ضغوطة المدمرة التى تمزق كل شي لتحول المجتمع الى قوة متناحرة تدمر بعضها الاخر وتشوه بعضها الاخر وكانها تحطينا بالشرور والاثام وتمنع عنا الفرح والسعادة والغد.


اصغر فرهادي مسيرة حبلي بالانجازات ومنها ( البطل ) الجائزة الكبري في مهرجان كان السينمائي 2021 . ولربما في الطريق لاوسكار افضل فيلم اجنبي . وله ايضا ( البائع ) اوسكار افضل فيلم اجنبي 2017. وله ( انفصال نادر وسمين ) اوسكار افضل فيلم اجنبي 2012 .. هل يكفي او نزيد ؟ لا بل نزيد .. اصغر فرهادي الاستاذ المعلم والحكاء الذى يحول اصفر الحكايات الى نهر هادر من الشخوص والاحداث التى تحلل المجتمع وهو لا يتوقف عند المجتمع الايراني بل يذهب الى بعد انساني شمولي .. لذا يمس العالم .. ويحس الجميع شخوصة التى نري انفسنا من خلالها ..
سينما اصغر فرهادي .. الانسان الم يسير على قدمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى