نبيل عيوش في الكل يحب تودا يحتفي بفن العيطة والمرأة المغربية
كان – عبد الستار ناجي
يحتفي المخرج المغربي نبيل عيوش في احدث اعماله السينمائية ( الكل يحب تودا ) بفن العيطة وايضا المرأة المغربية التى ظلت تمثل نسبة عالية من الجدل ولربما الخلل في النسبة الاكبر من اعماله السينمائية حتى رغم حضورها الطاغي . ولكنها هنا في فيلمه الذى عرض في تظاهرة ( كان بريمير – كان الاول ) نسبة الى العروض الاولي للفيلم وهي المرة الاولي التى يعرض بها فيلم مغربي وعربي في مثل هذة التظاهرة التى تأتى ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته ال 77 لعام 2024 .
ياخذنا الفيلم الذى تعاون في كتابته نبيل عيوش مع زوجته المخرجة والممثلة المغربية مريم توزاني الى حكاية ( تودا ) العاشقة لفن العيطة المشبع بالالم والحنين والبوح . والتى درجت على الغناء في الافراح والمواسم الشعبية وهي تحلم دائما بان تصبح ( شيخة ) نسبة الى شيخات غناء العطية والفنون الشعبية .
رحلة مقرونه بالالم والتعب والتحديات اولا على صعيد اعاله طفلها المعاق على صعيد النطق والذى تضطر ان يذهب لاحدي المدراس العامة حيث يتنمر عليه زملاءه واقرانه . بينما تظل ( تودا ) مشغوله في العمل الليلي في الاندية والمرابع الصغيرة حيث يتصورها الجميع ( جسدا ) بينما ترفض هي هذا الامر جملة وتفصيلا . مصره على ان تقدم نفسها كمطربة لهذا الفن الرفيع والعريق .
تتعرض في جملة المراحل الى تمر بها الى التحرش بكافة انواعها تاره والاغتصاب تاره اخري حتى المحطة الاخيرة حينما تنتقل للاقامة في الدار البيضاء الا ان معادلة الاغراءات والتحرش تظل حاضرة وهي في المقابل تظل تمارس رفضها الذى يفقدها مكان عملها في نهاية مفتوحة على كافة الاحتمالات اقلها العودة الى مستنقع الفقر والعازة .
بخط متوازي هنالك منطقة جديدة في اشتغالات المخرج نبيل عيوش يتجاوز من خلالها ( المنهج ) التقليدي الذى عرف من خلاله حيث الموضوعات المثيرة للجدل بالذات تلك التى تتعلق بالمراة ويبدو ان حضور رفيقة دربة مريم توزاني خلق حالة من التوزان بين الاشكال والنمطيات التى عرف بها والتى باتت كليشيهات ومن بينها مشهد الاغتصاب الاول وبعده مباشرة مشهد الجنس مع رجل الامن .
ولكن هذات لايمنع من وجود مشهديات كتبت بعناية وذات دلالات بعيدة مثل مشهد المزج بين العيطة والاذان حيث القدسية المشتركة والحرمة العالية وقد تالقت الممثلة الرائعة نسرين الراضي في جملة المشاهد بالذات هذا المشهد ومشهد الصعود بالمصعد لتقديم الحفل في كازبلانكا مع الاشارة في عمق المشهد الى مسجد الحسن الثاني ( رحمه الله ) .
ثم هناك مشهد الاتصال الهاتفي مع والدتها والتى تحول الهاتف الى ابنها ( ياسين ) الذى لا يجيد الحديث الى ببعض المفردات المتداخلة لتاتى ردة فعل تودا التى تحمل الاشتياق وعاطفة الامومة الجياشة .
في الفيلم الكثير من البحث في فن العيطة على صعيد المفردة واللحن والايقاع خصوصها تلك المشاهد التى جمعت تودا مع عازف الكمان والجملة اللحنية التى راحت تتكرر اكثر من مرة .
عاني فيلم ( الكل يحب تودا ) من بعض الاشكاليات في المونتاج ( نيكولا رومبيل وياسر همامي ) على صعيد الربط وايقاع المشاهد رغم كمية المشاهديات التى حفل بها الفيلم والذي يتطلب جلسة معمقة من قبل فريق العمل لاعادة النظر في المونتاج بشكل يجعل الفيلم اكثر تماسكا .
مسيرة المخرج نبيل عيوش تعود للعام 1998 من خلال فيلم ( مكتوب ) مرورا بعدد من الاعمال السينمائية المثيرة للجدل والمشاكسة ومنها ( علي زيوا ) 2000 وغيرها مثل ( ارضي ) و ( خيل الله ) و( ليس حبا ) وصولا الى ( رضية ) 2017 . واليوم ياتى فيلم ( تودا ) .
ويبدو ان ( تودا ) حاضرة هذا العام بقوة في الفنون المغربية فبعد ( تودا ) للمخرج المسرحي الامين ناسور والتى حصدت جائزة القاسمي لافضل عرض مسرحي عربي يأتى فيلم ( الكل يحب تودا ) لنبيل عيوش الذى يتنقل الى منطقة اضافية في تجربة تحمل الاحتفاء بالمراة المغربية وتقديمها بصوره مغايرة لما هو دارج ومستهلك في الاعلام وايضا في اعماله السابقة . فشخصية ( تودا ) تظل رغم كل الظروف صامدة تعني تماما ما تمتلكة من فن واصاله تتجاوز تلك اللحظات الهامشية من المتعة المدفوعة الاجر .
رغم ان الفيلم يعتمد على حضور الموسيقي بالذات ( العيطة ) و ( الغناء الشعبي ) الا انه لا توجد ايه اشارة الى صناع الموسيقي في الفيلم حتى في دليل المهرجان وبقية المفردات الاعلامية والصحفية .
ويبقي ان نتوقف بكثير من التقدير على التقمص العالي الكعب للفنانة نسرين الراضي التى استطاعت ان تحتوي الشخصية وتعيش النقلات والمراحل التى مرت بها من عاصفة تحقيق الذات وتحدياتها وسلام الذات مع وحيدها وشخصية رقية ( جليلة تلمسي ) اما بقية الشخصيات فجملتها عابرة سرعان من تبذل دراميا امام هيمنه وسطوة ( تودا ) واداء نسرين الرائع لذا تظل واحدة من اهم رهانات المخرج نبيل عيوش .
ونخلص ..
نبيل عيوش في ( الكل يحب تودا ) اكثر توازنا من جميع اعماله حيث القضية اهم من كل الهوامش ..