ثقافة

كم عدد القوانين التي تعاقب على سرقة الممتلكات الثقافية والاتجار بها في العالم؟ 

تشير قاعدة بيانات اليونسكو إلى وجود أكثر من 3000 قانون وطني في العالم يعاقب على سرقة الممتلكات الثقافية ونهبها والاتجار غير المشروع بها. 

تمتطي اليونسكو صهوة محاربة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية منذ خمسين عاماً، لتأتي جائحة كوفيد-19 اليوم لتزرع عقبات وتحديات جديدة أمام الجهود الرامية لمكافحة ورصد عمليات الاتجار خلال فترة الإغلاق التي فرضتها الجائحة. وتعوق الأوقات العصيبة التي نمر فيها اليوم عمل آليات الإشراف والحماية ناهيك عن الموارد، فقد شهدنا استهداف المتاحف الموصدة، واستفحال عمليات التنقيب غير المشروعة على نحو مقلق في المواقع الأثرية، بالإضافة إلى تسجيل قفزة ملحوظة في مبيعات الأسواق الفنية عبر الإنترنت، مما زاد من وتيرة تداول الممتلكات الثقافية مثل القطع الأثرية وارتفاع أسعارها، بما في ذلك القطع المشكوك في مصدرها.

وفي هذا السياق، سوف تعقد اليونسكو في السادس والعشرين من شهر حزيران/يونيو مناظرةً فريدة من نوعها عبر الإنترنت تحت عنوان ” مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية خلال أزمة جائحة كوفيد-19 – عمليات التنقيب غير الشرعية والتداول عبر الإنترنت”، إذ تسعى بمعية عدد من الخبراء والأطراف المعنية إلى تحديد إجراءات خاصة للتصدي للتحديات المستجَدَّة بسبب الجائحة، وخاصةً مبيعات القطع الثقافية عبر الإنترنت. وتعدّ هذه المناظرة امتداداً لمناظرة أخرى كانت قد عُقدت مع عدد من شركاء اليونسكو في الرابع عشر من أيار/مايو، بهدف تعزيز الإجراءات المشتركة خلال جائحة كوفيد-19.

تعوّل هذه الجهود على خمسة عقود من العمل الدؤوب لليونسكو من أجل مكافحة الاتجار غير المشروع. وكانت الدول الأعضاء قد أناطت باليونسكو في عام 1970 مهمة تعزيز الجهود المبذولة لدرء عمليات السرقة والنهب، وإعادة الممتلكات الثقافية المسروقة. وتحتفل اليونسكو وشركاؤها هذا العام بمرور 50 عاماً على إبرام اتفاقية عام 1970 بشأن الوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة – وهي الصكّ القانوني الدولي الأول لحماية الممتلكات الثقافية في أوقات السلم.

وبهذه المناسبة، تقول المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي: “تُنبّهنا الذكرى الخمسين إلى أن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية يسلب الناس تراثَهم الذي تتبلور حوله هويتهم وينبثق منه تطورهم وتقدمهم”. وتقول مضيفةً: ” إنّنا بحاجة إلى مضاعفة جهودنا لإنفاذ المعايير الأخلاقية في الأسواق الفنية ودعم الدول في جهودها الرامية إلى حماية التراث ومكافحة التداول غير المشروع”.

ويغتنم شركاؤنا ومعشر الأطراف المعنيّة حلولَ هذه الذكرى السنوية لينضموا إلى اليونسكو والدول الـ 140 الأطراف في الاتفاقية من أجل الاحتفال بالإنجازات المحرزة حتى اليوم، وسبر أغوار التحديات المعاصرة، وتوجيه دعوة إلى العمل واتخاذ الإجراءات اللازمة. وتمنحنا هذه المناسبة الفرصة لحشد زخم كبير من أجل التصديق على الاتفاقية، وتعزيز قدرات الدول الأطراف فيها، وإشراك الجمهور في مكافحة الاتجار غير المشروع.

أوجه التقدم المحرزة

تمتطي اليونسكو صهوة هذه الاتفاقية منذ إبرامها قبل 50 عاماً من أجل دقّ ناقوس الخطر بشأن الاتجار غير المشروع من جهة، ودعم عشرات الدول المعنية، من جهة أخرى، من أجل وضع القوانين القومية واتخاذ الإجراءات الوقائية ورعاية استرداد الممتلكات الثقافية التي نُقلت من أرضها بطرق غير قانونية. وقد عملت المنظمة خلال السنوات الخمس الماضية فقط، على تنظيم أكثر من 80 تدريباً ودورة لتنمية القدرات، وقد ساعدت خلالها أكثر من 100 دولة وطواقم الوزارات فيها وخدمات الجمارك وقوات إنفاذ القانون وطواقم المتاحف، وشحذت هممهم بالمعارف الضرورية بشأن اللوائح القانونية وشبكات الشراكة وقواعد البيانات والأدوات العملية المتاحة.

تتناول خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الإنجازات البارزة التي رأت النور بفضل الجهود المبذولة باستمرار من أجل إزكاء الوعي بشأن الأثر الواسع النطاق للاتجار، وتولي أيضاً اهتماماً بمكافحة شتّى أشكال الجرائم المنظمة وحماية التراث الثقافي، إذ تتطرق بالتحديد إلى عمليتي تعقب الموجودات المسروقة واسترجاعها (الغاية 4 من الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة). ويتناول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2199 والذي يمنع تداول الممتلكات الثقافية القادمة من العراق وسوريا، وقرار رقم 2347الذي يدين أعمال النهب والتهريب للممتلكات الثقافية من المواقع الأثرية والمتاحف والمكتبات والأرشيفات وغيرها من الأماكن، الجهود المثمرة التي تبذلها اليونسكو من أجل إزكاء الوعي بشأن هذه القضية. 

عزمت اليونسكو الهمم منذ البداية على العمل مع جميع الأوساط المهنية المعنية، وإقامة الشراكات مع المؤسسات الدولية الكبرى في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، ومنها: المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، ومنظمة الجمارك العالمية، والمجلس الدولي للمتاحف، والمعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص منذ إنشائه في عام 1995. وتحظى الجهود الرامية إلى تنفيذ الاتفاقية اليوم بتمويل سخيّ من الاتحاد الأوروبي. 

لقد أثبتت عملية إعداد الأدوات والتدابير العملية فعاليتها خلال هذه المعركة على مدار سنوات. فمن جهتها، تتيح اليونسكو من خلال قاعدة بيانات القوانين الوطنية الخاصة بالتراث الثقافي المتاحة عبر الإنترنت، مجموعة لا تنفك تتضاعف من القوانين الوطنية التي تخدم في آنٍ معاً الأهداف التي تصبو إليها الحكومات من جهة، والغايات المرجوة من البحوث من جهة أخرى. وقد أعدّ شركاء اليونسكو بالتعاون فيما بينهم نموذج تحديد هوية القطع الفنية لعام 1997 وشهادة التصدير النموذجية لعام 2005  واللذان لا يزالان يستخدمان حتى يومنا هذا من قبل أغلبية الدول الأعضاء، إذ يتمثل الهدف الرئيسي من مثل هذه الأدوات في مساعدة ودعم الدول لمواجهة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. وبالمثل، فإنّ اجتماعات الدول الأطراف في الاتفاقية، والدورات التدريبية المخصصة لبناء قدرات الأطراف المعنية حول العالم، كل منها حسب السياق التي تمر به، بالإضافة إلى تقارير الرصد المعنيّة بتعقّب تنفيذ الاتفاقية، تسهم مجتمعةً في تعزيز تبادل للخبرات والتجارب والممارسات الجيدة السابقة ودعم مكافحة الاتجار .

سنمضي قُدُماً

لا يوجد بلد مستثنى من هذه الآفة! فمع تزايد حنكة المجرمين وشبكات الاتجار العالمية، أصبحت الحاجة إلى اتخاذ التدابير الوقائية الشديدة والتعاون الدولي، أمراً ملحاً تقتضيه الفترة الراهنة.  

ومن هنا، سوف تعقد اليونسكو خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر2020  سلسلة من خمسة مؤتمرات دولية عبر الإنترنت في جميع القارات، تجمع فيها عدداً من المسؤولين الحكوميين والخبراء، وتوفر منصةً لمناقشة الإنجازات والتحديات والتدابير في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع.

على الرغم من القيود التي يفرضها انتشار جائحة كوفيد-19، إلا أن اليونسكو تواصل جهودها الحثيثة في التواصل مع العالم، إذ قامت بتحويل ورش العمل المختصة لتعزيز القدرات، طوال هذا العام الاحتفالي، إلى ندوات عبر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، نظّمت اليونسكو ورشة تدريبية لتنمية القدرات في غرب أفريقيا بالتعاون مع كل من الإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية) ومنظمة الجمارك العالمية في الفترة الممتدة من 2 إلى 17 حزيران/يونيو 2020، وذلك بهدف تعزيز تطبيق التشريعات من خلال الشبكات التشغيلية وقواعد البيانات المتاحة وأفضل الممارسات المتبعة من أجل درء الاتجار. 

إن إزكاء مستوى الوعي، والتدريب، وزيادة اليقظة والاحتراس، والتعاون عبر الحدود، وتبادل أفضل الممارسات هي الأسس التي تقوم عليها الترسانة التي لا غنى عنها في القتال. ستواصل اليونسكو، بمعيّة الدول الأطراف، والشركاء، والجمهور، تعزيز اتفاقية عام 1970 مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيسها، والتي سيتم الاحتفال بها بشكل خاص في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بالتزامن مع اليوم الدولي الأول لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى