هل من بديل عن الصحافة؟
بقلم: عادل الزبيري
في الحكومة المغربية الحالية، إشكال تواصلي أصبح قائما، ولا داعي لمزيد من التغطية عليه، فالقطاعات الحكومية تنظر إلى الأمر من زاوية تسويقية، مثل أي شركة تريد أن توصل منتجها وخطابها بأي طريقة ممكنة، في انتظار أن يتغير الواقع الممارس في التواصل المغربي حكوميا، بتمارين جديدة تنفي هذه الصورة.
فجزء من لعبة التواصل في الحكومة المغربية ظهر أخيرا، إبعاد ما تبقى من الجسم الصحافي المهني، لأن الجسم الصحافي نصفه الأول ذهب مع الريح، جراء تحولات كبرى في النموذج المالي للمقاولة الصحافية، وهجرة المستشهرين، وموت مؤسف لصحف حزبية.
تقوم الحكومة المغربية بلعبة تواصلية لها تداعياتها على ثقة المغاربة في الإعلام، وفي دور الحكومة المغربية في الحفاظ على قطاع مهني موجود في كل العالم اسمه الصحافة، وفي ضمان الكرامة المهنية للصحافيين المهنيين، وإبقاء من بقي منهم في المغرب عوض الهجرة المهنية الجماعية إلى الخارج. هذه الوصفة الحكومية المغربية أصبحت أمرا واقعا، ويبقى من حق الحكومة المغربية القيام بأي خطوة تراها مناسبة لتسويق مواقفها، ففي النهاية الصحافة المغربية في طريقها المتسارع إلى انهيار النموذج الاقتصادي، وغياب الحقوق الاجتماعية، وغياب الوعي وسط المؤسسات ووسط المجتمع المغربي بواجب الدفاع عن الصحافة.
منذ العام 2012، أدق عبر الكتابة أجراس الإنذار، بأن الصحافة في المغرب لا مستقبل لها، إذا لم يقع التحصين الكامل للمهنة بقانون مهني، وبوقف أول نزوح جماعي للمدونين الذين أمسوا صحافيين، ولكن حكومة عبد الإله بن كيران، في وقتها، فتحت الباب أمام مصراعيه، وكانت الضربة الأولى لتدمير الجسم الصحافي المغربي.
وفي عهد حكومة عبد الإله ابن كيران، كان غذاء الدجاج بالبطاطس في مقر حزب العدالة والتنمية في حي الليمون، أول اعتراف بمن يسمون بالمؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي العام 2022، أقترح على من بقى من الصحافيين المهنيين المغاربة أن يرفعوا الرايات البيضاء، لأن غرفة الأخبار أصبحت في المطبخ أو أمام مرآة الحمام أو في حديقة المنزل، فيما أدوات العمل، هاتف محمول وإنترنت فقط، لا رقابة ولا مقص رقيب ولا رئيس تحرير ولا مصور ولا… يبدو أن شركات الاستشارة لا تريد صداع رأس، وتقطيعا لكلام الوزير، فالاتجاه العام يريد نسخا ولصقا للخبر، عبر حملات التمويل المالي قائمة وسخية، مع من يسمون افتراء بالمؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأسميهم بالقوالين بالعلم بأي شيء.
في معاهد الإعلام عبر العالم، يتعلم الصحافي أن يعالج الخبر، وأن يستعرض وجهات النظر، وأن يحترم ذكاء المواطن المتلقي، وهذا النموذج مستمر عبر العالم، لأن الصحافة مؤسسة ضرورية في المجتمع، وفي توازن السلط الحاكمة، ولأن الإعلام مرآة المجتمع مهنيا، وليس كذبا عبر خوارزميات يجري التلاعب فيها، في مطابخ مصانع مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي بنوك الأموال لمواقع التواصل الاجتماعي، يبقى الهدف هو تحويل المواطن إلى غبي يستهلك من دون تفكير، في سياق استراتيجية عمل لصناعة حسابات أشخاص يستعرضون حياتهم الخاصة أو الحميمية أحيانا، أو يحولون أسرتهم إلى مكان عمومي يتابعه الجميع، أو تقديم وصفات الطبخ أو أي شيء يجمع المشاهدات، وفي النهاية إثارة اهتمام الحكومة المغربية لضخ أخبار عبر قصص مصورة مثلا وفي المطابخ السرية لمواقع التواصل الاجتماعي أيضا لعبة رفع المشاهدات، عبر روبوتات ترفع من المتابعين ومن المشاهدين عدديا بطريقة غير أخلاقية نهائيا، إما عبر خوازميات أو عبر مستخدمين يفتحون نوافذ كثيرة للمشاهدة.
في النهاية، تعيش الصحافة المغربية وضعا تستحق فيه ما يقع لها، جراء فشل التنظيم الذاتي للمهنة، وغياب إرادات في المجتمع لتحصين الصحافة، مع صراعات وأمراض النقابات المهنية، وعدم التمييز بين الكتابة وبين مهنة الصحافة، ما يدفع إلى المطالبة بتدخل للسلطات المغربية لوضع حد لهذا العبث بالصحافة المغربية، ودفعها صوب إعادة الاعتماد على ما هو مهني فقط، إسوة بقرارات مهنية أخرى كالطب والهندسة وووووو استفادت حكومة سعد الدين العثماني من أزمة جائحة فيروس كورونا، فارتاحت قطاعات حكومية مغربية من غم التوصل الحكومي، فصمتت الحكومة لأشهر طويلة.
فيما حكومة عزيز أخنوش أمام امتحان التواصل مع الرأي العام المغربي عبر الإعلام، ولكن المؤشرات المتوافرة تقول إن هنالك اتجاها للتعامل مع المؤثرين أو الصمت التواصلي عند الضرورة، فالصمت حكمة في النهاية. ففي القضايا المغربية الكبرى تبقى الصحافة المهنية أو ما تبقى منها صوت وصورة المغرب داخليا وخارجيا لأن المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي يكون مشغولا بزيادة المتابعين.