ثقافة

فيلم المختطف.. تحفة سينمائية ايطالية عن الاستبداد والتعصب

كان – عبد الستار ناجي


يمثل المخرج الايطالي القدير ماركو بولوكيو او ( بولوخيو ) احد ابرز القامات السينمائية من جيل الكبار في السينما الايطالية ويمتلك مسيرة سينمائية عامرة بالانجازات والبصمات تمتد لاكثر من اربعة عقود من العطاء السينمائي الرصين والمشاكس.


وفي فيلمه الجديد – المختطف – يذهب ماركو بولوكيو الى منطقة شديدة الحساسية تتناول موضوع معادة السامية استنادًا إلى القصة الحقيقية لطفل يهودي صغير اختطفته السلطات البابوية ، هذه ميلودراما كاملة تكشف عن الاستبداد والتعصب وإساءة استخدام السلطة في الكنيسة الكاثوليكية.


عمل سينمائي كبير وعال الجودة ومضامين تعري تلك المرحلة من تاريخ ايطاليا وهيمنه الكنيسة الكاثوليكية .

ابتكر المخرج الإيطالي ماركو بيلوتشيو ، عن عمر يناهز 83 عامًا – وبعد 60 عامًا تقريبًا من ظهوره لأول مرة بفيلمه ( قبضات في الجيب )
عام 1965 – قصة جريمة سياسية حقيقية مؤثرة ومفجعة من صفحات التاريخ. إنها ميلودراما كاملة مع الحماسة الشديدة لفيكتور هوغو أو تشارلز ديكنز ، والتي تكشف عن حلقة تكوينية قبيحة من الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا: قضية معاداة السامية وإساءة معاملة الأطفال . وهي قضية ظلت لسنوات بل لعقود مثار للجدل والحوار .


ياخذنا ماركو بولوكيو عبر نص قام بكتابته بالتعاون مع سوزانا انشيريلي اعتمادا و على القصة الحقيقية لإدغاردو مورتارا ، وهو طفل يهودي صغير في مدينة بولونيا الايطالية ، في عام 1858 ، عندما كان في السادسة من عمره ، اقتادته السلطات البابوية من عائلته. تم ذلك لأن الممرضة الكاثوليكية الشغوفة لإدجاردو ادعت أنه عندما كانت إدجاردو طفلا ، وعلى ما يبدو كانت في مرض شديد ، افترضت أنها تنفذ معمودية طارئة ، لأنها كانت تخشى أن يموت إدجاردو ويذهب إلى طي النسيان. تأثرت سلطات محاكم التفتيش المتعصبة للاعتقاد بأن الأسرة اليهودية سوف “تضحي” بالتالي بالطفل الكاثوليكي الآن ، واغتنمت الفرصة لمعاقبة المجتمع اليهودي وتضخيم أهمية التبشير الذاتي. نشأ إدجاردو ، الذي تعرض لغسيل دماغ على نطاق واسع ، ليصبح كاهنًا ومن أنصار الكنيسة بشدة . بل كاهنا متعصبا رفض العودة الى دينه الحقيقي اليهودي بل ادار ظهرة لاسرته التى عملت الكثير من اجل استعادته .

ولا يتردد بلوكيو في ان يُظهر لنا تشنجًا وحشيًا من الاستبداد والقوة والتعصب مع أصداء قضية دريفوس في فرنسا ، وفي وقت لاحق ، أحداث مروعة. عندما أخبر فيليتي المخيف القاضي أخيرًا أنه بأخذ الطفل اليهودي كان مجرد تنفيذ أمر من الفاتيكان ، فهذا دفاع مألوف في قاعة المحكمة. إن اختطاف الشاب إدجاردو عبارة عن جولة في المنمنمات والتقاليد والمواجهات ، وقسوة البابا هي سابقة لامبالاة بيوس الثاني عشر الظاهرة في زمن الحرب تجاه الفظائع النازية .


وبعيدا عن مجري الاحدث الثرية والمشبعة بالمواجهات دعوني اتوقف عند المشهد الاخير حينما يعلم ادغار مورتارا ان والدته تحتضر ليذهب اليها في مشهد سينمائي حيث نتوقع جميعا بانه عاد لاسرته وامه وايضا ديانته لنجده قد احضر لها قنينة من الماء المقدس من اجل ان يعمدها لتشفي او تذهب الى السماء وهي مسيحية فتقول كلمتها الاخيرة : ( ولدت يهودية وساموت يهودية ) ..
فيلم لا يهادن فيلم لا يجامل فيلم يصرخ ضد السامية وضد التطرف وضد هيمنه السطلة الدينية لقمع الاخرين وغسل ادمغتهم وعدم قبول الاخر مهما كانت هويته وطائفته وملته ..
فيلم كبير لمبدع كبير ..
هكذا هو المخرج القدير ماركو بولوكيو ..

معه في الفيلم بدور ادغار في مرحلة الطفوله ( اينا سالا ) وبدوره شابا ( ليوناردو مالتيس ) وبدور البابا بيوس التاسع كان هناك الممثل القدير باولو بيير بون . وايضا فابريزو جيوفاني بدور الاب فيليتي .
سينما لا تفارقك .. تجعلك امام حوار عن مدي هيمنه السلطة الدينية .. ومدي تحكمها وجبروتها ..
ويبقي ان نقول .
هكذا نوعية من الافلام لا يمكن ان تتحقق لولا فضاء حرية يلامس السماء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى