ثقافة

فيلم ناقة.. حينما تضيع البوصلة!

كتب – عبد الستار ناجي


ضمن عروض مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي في دورته الثالثة 2023 تم عرض الفيلم السعودي الجديد ( ناقة ) من انتاج نتفليكس واخراج مشعل الجاسر حيث ياخذنا الفيلم الى حكاية الصبية ( ساره ) ( أضواء بدر ) التى تغافل الاهل ووالدها على وجه الخصوص للخروج في موعد غرامي مع صديقها ( سعد ) ( يزيد المجيول ) ولكن تلك الرحلة تاخذها الى مغامرة تتحرك في اتجاهات ومتاهات لا تعد ولا تحصي وتنتهي الى ان تتحول تلك الصبية التى قررت بذات نفسها للذهاب الى تلك المغامرة الى وحش كاسر اعتبارا من مشهد التهام لحم ( الناقة ) الى التعدي على شقيقها الاصغر .
الفيلم من انتاج ( نتفليكس ) التى سخرت له امكانيات ضخمة بالتعاون مشترك جمع بين ( استديوهات تلفاز 11 ) و ( موفيتاز ) و ( مناسب ) .
الفيلم ومنذ اللحظة الاولي يعاني من حالة من الضياع نتيجة ضياع بوصله القضية والمضمون والهدف وكل ذلك مصدرة ( الورق ) ونعني ( الكتابة ) او ( السيناريو ) الذى اراد ان يقول كل شئ ويلهث في متاهات ساهمت في تشتيت العمل وطروحاته ومضامينه بل حتى اهدافه .
فيلم ( ناقة ) ومنذ المشهد الاول يعلن موقفة الصريح ( ضد ) الرجال وهو ما يستمر طيلة المشاهد الا من بعض الاستثناءات الى نتوقف عندها لاحقا . ففي المشهد الاول يقوم والد ساره باغتيال الطبيب الذى قام بعملية توليد زوجته في لحظة ميلاد ساره لرفضة مثل هذا الامر . لننتقل لاحقا الى مشهديات سطوة الابد . لكن – ساره – تقرر الانفلات من ذلك الاطار والحصار الذى فرضه عليه والدها حيث نراها اولا تدخن . ولاحقا تخرج مع صديقتها لمساعدتها في شراء احتياجات الصديقة لحفل زفافها ولكنها تستغل ذلك الخروج لموعد مع صديقها سعد حيث يقرران الذهاب الى مزرعه احد الاصدقاء بل انها تتجاوز ذلك حينما تتعاطي بعض انواع المخدرات ولتمضي فى رحلتها مع الصديق الذى يجرها الى متاهات وكم من المفارقات والصدف التى ما ان تبدا حتى لا تتوقف . كمية من المصادفات اعتبارا من تاخر ارسال الصديق موقع المزرعة وصولا الى المزرعة وزحمة الحضور الذين كانوا جميعا لا هم لاهم سوى التهامها في اتهام مباشر للرجال والتعامل معهم على انهم مجرد ذكور طائشة .


كل الرجال الذين صادفتهم ساره في المزرعه كان هدفهم شي واحد بينما الرجال الاخرين مثل بائع الايسكريم وايضا صاحب البنشي كانوا لطفاء وقدموا لها يد المساعدة حتى رغم تعرض كلاهما الى السخرية والاعتداء والتنمر من المواطنين .


اللحظة المفصيلة في الفيلم حينما يصطدم صديقها سعد بناقة صغيرة ويتم ذبحها امام امها الناقة الكبيرة التى تقرر ان تقول بعملية الانتقام من مبدا الحكاية التى تقول بان الناقة لا تنسي ثارها .


وحينما تعود ساره الى حيث موعدها مع والدها على خلفية احدي المباريات التى خاضها الفريق الوطنى السعودي تجد والدها يقف قلقا عليها وهو ما كان قاسيا عليها وعلى والدتها فاذا به ذلك الاب الحنون ولكن الالتباسات تتواصل حينما تذهب حتى في المشهد الاخيرحيث ساره لا تنسى ثأرها اولا من خلال مشهد التهام اللحم وايضا الاعتداء على شقيقها دون ان يكون له ذنب وكانها تحولت الى ( ذئب ) متوحش وليس ناقة تريد الاخذ بثأرها .. فما دخل شقيقها الاصغر .


انه حصاد البوصلة الضائعة التى راح السيناريو والمخرج لاحقا ( مشعل الجاسر ) قام بكتابة السيناريو والاخراج حيث يتحرك الفيلم في مغامرات لا تكاد تنتهي وبايقاع متسارع لاهث مزدحم بالشخوص والاحداث المبررة تارة والغير مبررة تارات اخري عدة ( مثل مشهد المزرعة حيث حكاية الشاعر وحكاية المراة الثرية الغاضبة ومشهد صاحب السيارة الذى رافقته دون معرفته ومشاهد التحرش المتعددة وغيرها ) وصولا الى مشهد الاختباء من الناقة تحت السيارة الذى جاء ساذجا ..
الاشكالية اننا امام فيلم اراد ان يقول كل شي خلال تلك الساعة والنصف تقريبا تحملتها الممثلة الرئيسية اضواء بدر وايضا مدير التصوير ولاحقا المونتير الذى كان ( حتما ) امام اطنان من المشاهد التى يمكن الاستغناء عن جلها .
شاهدت عدد من اعمال المخرج مشعل الجاسر على اليوتيوب من بينها حلقات ( فليم ) كما شاهدت له من ذي قبل فيلم ( سومياتي بتدخل النار ) وايضا ( تحت الاسمنت ) ويومها فاز هذا الفيلم الاخير بالجائزة الاولي في مهرجان قمره . وله ايضا فيلم الفضائيين العرب – .
ولاننا امام هذا الكم من الاعمال والتجارب فاننا كمتابعين نظل نترقب الكثير من هكذا موهبة وخبره خصوصا مع توفر الامكانيات الانتاجية الضخمة التى لمسناها في النسبة الاكبر من مشاهد الفيلم ومنها مشهد المزرعة ولاحقا الحريق . ولكن هذا الكثير يضيع الطريق والمقولات والمضامين لانه انشغل بالمغامرة على حساب المضمون والفكر فان ان نال من الجميع حتى الشخصية المحورية التى تفهم الحرية بشكل مغلوط وتفهم الثأر لاحقا بشكل وصل الى شقيقها البرئ .
كل الرجال ( المواطنين ) في الفيلم سلبيين ومتهمين بينما ( الاجانب ) حتى رغم الاعتداء عليهم والتنمر يقدمون الدعم والاهتمام .
في منطقة الضوء والتميز يأتى الجهد الاستثنائي لمدير التصوير ابراهيم الشنقيطي الذى قاد التجربة بكثير من الاقتدار والايقاع المتسارع . هكذا الموسيقي التصويرية التى صاغها عمر فاضل التى منحت العمل كثير من الخصوصية . ولا يمكن تجاوز الجهد السخي الذي قدمته الفنانة اضواء بدر وان ظلت في بعض المناطق الى استاذ تمثيل ( كوتش ) بالذات ونحن امام شخصية عامرة بالنقلات الدرامية التى كانت بحاجة ماسة لمزيد من التطوير والاشتغال .
ويبقي ان نقول ..
فيلم ( ناقة ) رغم كل الجهد ظل يعاني من حالة من الالتباسات نتيجة ضياع بوصلة القضية والشخصيات والمضامين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى