ثقافة

الفيلم المغربي كذب أبيض.. نوستالجيا الحي والأسرة والألم!

كان – عبد الستار ناجي

بشفافية واحترافية عالية تستحضر المخرجة المغربية الذاكرة الخصبة لمرحلة بارزة من تاريخ المملكة المغربية عبر مجموعة من الشخوص بينهم امهما وجدتها وعدد اخر من افراد اسرتها في رحلة تمزج خلالها بين التمثيل الحي والدمي.
في فيلمها الاول تقوم المخرجة اسماء المدير بصناعة وحياكة اسرار حكاياتها الدفينة باليد واستحضار سخي للظروف الموضوعية التى احاطت بتلك الحكايات الثرية بالشخوص والالم وايضا العامرة بالاسرار والغموض التى تظل جدتها امينه اسرارها وخفاياها .

اشتغال متوهج لتجاوز المحو المستمر للذاكرة والتواريخ والاحداث والتفاصيل والحيثيات التى تحيط بها . في كتابة تبدو للوهلة الاولي بانها مشروع لم ينضج او يكتمل ولكن كلما اوغلت في المشاهدة يأسرك مؤكدا باننا امام مخرجة ذكية فطنه تعي جيدا موضوعها وتفاصيله واشكالياته .

فيلم يتجاوز المرحلة الراهنة حيث راحت الهواتف الحديثة ووسائط التواصل ترصد كل شئ وتوثق كل شي . ولكن المنطقة الزمنية التى تذهب اليها المخرجة المغربية اسماء المدير ليست بالمنطقة الزمنية البعيدة ولكنه ثمة من يريد الغاها وطمسها لانها عامرة بالتعب والالم .
وحينما تحرك المخرجة اسماء المدير كاميرتها لتركزها صوب قضيتها فانها تحرص كل الحرص على ان تكون كاميرتها هي عين الحقيقة هذه واحدة من الأفكار المركزية التي دفعت صانعة الأفلام المغربية أسماء المودر إلى انجاز فيلمها ليكون ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي في تظاهرة – نظرة ما-
فيلم – كذب ابيض او – أ م كل الأكاذيب. يبدأ برغبة في معرفة سبب امتلاكها صورة واحدة فقط من طفولتها ، ولماذا تبدو الفتاة المعروضة في الصورة مختلفة جدًا عنها. من نقطة البداية ، وصلت إلى نقطة إعادة إنشاء منزل عائلتها وحيها في شكل مصغر ، كوسيلة لاستجواب التاريخ الشخصي والوطني .


رحلة ذكية لا تجامل ولا تظلل ولا تهادن تذهب الى جميع الاحداث بذات النبض والشفافية . فمن الاحتفال بليلة القدر الى اهم الاحداث والمواجهات السياسية وايضا كم اخر من الاحداث التى تأتى علي لسان افراد اسرتها بالذات جدتها التى ظلت مع تقدمها بالعمر تمتاز بصلابته وحكمتها وهي تحافظ على اسرتها في احرج اللحظات والازمات والمواقف .

وقبل ان نمضي في رصد احداثيات الفيلم نشير الى ان السينما العالمية شهدت عدد من الاعمال التى اشتغلت على ذات ( الثيمة ) حيث استخدام نماذج الديوراما ، فإن فيلم ” كذب ابيض ” يبدو متأثرا حتماً بعض المقارنات بفيلم “الصورة المفقودة” (2013) ، فيلم ريثي بانه الذي أعاد إنشاء الفظائع التي ارتكبها الخمير الحمر في كمبوديا. إنه فيلم مختلف إلى حد كبير ، حيث كان هذا الفيلم قادرًا على استخدام قدر كبير من اللقطات الأرشيفية ، والتي لا تستطيع المخرجة اسماء المدير في “كذب ابيض ” القيام بها على الإطلاق كجزء من إعدادها لهذة التجربة السينمائية حيث تشير وبشكل حاسم انه لا توجد الا صورة واحدة تثق هذا الحدث او ذاك . السياسية منها او غيرها .

الفيلم ينطلق من لحظة فارقة حيث تشعر المخرجة اسماء المدير بالانزعاج لانه لا توجد لها الا صورة واحدة من طفولتها وهذا ما جعلها تستعيد كل تاريخها وتاريخ اسرتها وبالتالي جوانب هامة من تاريخ المغرب
لم تكن مقتنعة بأنها في الواقع هي في تلك الصورة . حيث مجموعة من الأطفال يجلسون في فناء يبتسمون. في الجزء الخلفي من الصورة ، تقريبًا خارج الإطار ، يمكن رؤية فتاة صغيرة تبدو خجولة جالسة على مقعد. هذه الفتاة الخجولة هي في الحقيقية المخرجة اسماء المدير ، تصر والدتها ، التي أعطت ابنتها الصورة لأول مرة في سن الثانية عشرة ، بعد حسدها من كثرة صور العطلة التي أظهرها للمودر من قبل صديقة طفولتها .

لقد كانت تلك الصورة عبارة عن كذبة وقد كانت هذه الكذبة المتصورة صراعًا رئيسيًا مع والدتها خلال سنوات مراهقتها. في حين أن والدتها لا تزال تصر على أنها هي بالفعل في الصورة ، تمكنت المدير من الضغط عليها لتفسير لماذا يبدو أنها الصورة الوحيدة لسنوات ما قبل المراهقة: بحجة أن دينهم يحظرها ، رفضت جدة المدير – رب الأسرة الصارم – أن يكون لها أي تمثيل بشري داخل منزلها. وبالتالي ، لا توجد صور . نعم تم الغاء النسبة الاكبر بل جميع الصور من المنزل عدا صورة المغفور له الملك الحسن الثاني .

وتنتهز المخرجة اسماء لحظة مفصلية عندما يكون والداها بصدد الانتقال من منزل الدار البيضاء الذي عاشا فيه طوال حياتها (مع الجدة) ، تظهر الفرصة للمدير للبحث بشكل أعمق في الحقائق المدفونة الأخرى من تاريخ المنزل. يتم استخدام موضوع الصورة كمحفز من قبل المخرجة لإحضار ذكريات أو قصص أخرى تعاملت معها بارتياب.


من المؤكد أن سبب رفض جدتها للتصوير الفوتوغرافي أعمق بكثير من السبب المذكور سابقًا. ومما لا يثير الدهشة ، أن الأم هي موضوع متردد في فيلم وثائقي ، على الرغم من أنها تظهر على الشاشة في نهاية المطاف للحصول على قدر كبير من “كذب ابيض ” ، وإن كان ذلك أثناء التحديق في الكاميرا في كثير من الأحيان بازدراء واضح. في مرحلة ما ، رفضت مرارًا وتكرارًا تسمية المودر نفسها بأنها مخرجة ، وأصرت بدلاً من ذلك على أنها صحفية. هناك اقتراح بأن مثل هذا المسمى الوظيفي قد يكون سبب موافقتها على أي مشاركة في المشروع على الإطلاق .
ولا نريد ان نذهب الى السرد الروائي للفيلم بقدر من نذهب الى مناطق الاكتشاف التى جاءت ثرية بالشخوص والاحداث والصور والدمي والالم الموجع .
من الواضح أن المدى الذي يتم فيه اكتشاف أي حقائق في نهاية المطاف ، والطبيعة الدقيقة لها ، من الأفضل تركها كما هي. وبينما تم بناء جزء كبير من الفيلم على الألم المكبوت ، هناك لحظات من الاحتفال وبعض المصالحة وحتى الضحك. في بعض الحالات ، هناك كوميديا مع تراجيديا. من المحتمل أن تشعر بالسوء تجاه صديقة المخرجة المدير التي دخلت المسرح الصوتي يومًا ما لإنتاج صورة زجاجية للجدة المتعسرة ، وهي تعلم جيدًا أنها على الأرجح ستكره النتيجة النهائية. لكن إلى أي مدى تهدم المرأة العجوز تمامًا – وعلى الفور تقريبًا – الصورة باستخدام عصا المشي الخاصة بها هو حقًا شيء يمكن رؤيته ، تمامًا مثل هذا الفيلم .

فيلم ذكي .. ثري .. متصلح .. واضح .. شفاف .. يحمل الكثير من الحب للمغرب وذاكرة الاجيال ولا يتوقف عند الامس بل يسعي الى الكشف لتكون الحقيقية والوثيقة حاضرة للاجيال .. ومن هنا اهمية الفيلم انه يأتى من مواطنه محبة .. حاولت ان تكتشف احداثيات زمن طمس .. واختفي وهي تريده حاضرا .. للاجيال لتجاوز المه وتعبه وظروفه ..حتى لا يستعاد الالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى