ثقافة

فيلم اي او .. حكاية حمار تعري بالبشرية!

كتب من كان : عبد الستار ناجي


المخرج البولندي جيزي سكولوموفيسكي واحد من القامات السينمائية الهامة الشامخة في تاريخ السينما البولندية والأوروبية والعالمية بالذات على صعيد سينما المؤلف لذا ظل لسنوات وعقود طويلة يفضل بأن يذهب بأفلامه الى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي حيث الاحتفاء بالسينمائي المؤلف الذي ينحرك خارج سيطرة وهيمنة شركات الانتاج والتوزيع ولربما الجمهور وحتى النقاد .


مبدع سينمائي كبير ولذا يكون اللقاء مع جديده بمستوى تلك الخبرة والانجازات الطويلة التي تجعلنا نعمل العقل ونشاهد سينما من نوع مختلف ومغاير لكل ما هو دارج ومستهلك وتقليدي .


في فيلمه – اي يو – وهو اسم لحمار يعمل في احد العروض الاستعراضية في السيرك بالاشتراك مع لاعبة ترعاه وتهتم به وتتعامل معة بشكل به الكثير من الدفئ . حتى اللحظة التى تتظاهر به احدى المجموعات الخاصة بالرفق بالحيوان وتدعو الجهات الرسمية الى وقف استخدام الحيوانات في السيرك مما يجعله ينقل مع مجموعة اخرى من الحيوانات الى مكان اخر لرعاية الحيوانات حيث يبدا – اي يو – بالشعور بالحزن والوحدة . ولكن شريكته في الالعاب تذهب لزيارته للحظات وتضطر للعودة لمرافقة صديقها الذي يعمل معها في السيرك . عندها تبدا رحلة ذلك الحمار الى الضياع والانتقال من مكان الى اخر . وصولا الى النهاية القاسية التى لا تقل قسوة عن الحياة المعاشة .


فيلم بجميع احداثه يأتي من منظور وعين ذلك الحمار المسكين الذي تسوقه الاقدار من مكان الى اخر ومن عنف الى شيء ما اكثر عنفا ومن قسوة الى ما هو اشد منها وهكذا .


حمار رمادي ( تم استخدام ستة حمير ) لتصوير الفيلم بالكامل تحمل عيناه الالم وهي عين الشاهد على كل ما يدور حوله من تصرفات وممارسات عدوانية اتجاة الحيوانات اولا واتجاه الانسانية ضد بعضها البعض . رحلة قاسية الحاضر الاساسي هو ايقاع الالم ومقام الوجع ونغم العدوانية التي تمارسها البشرية ضد الحيوانات بكافة اصنافها ومن بينها الحمير والكلاب والخيول والاغنام وحتى الطيور .


في كل مشهد من مشاهد الفيلم هنالك المزيد من التعرية لعدوانية وبشاعة الانسان ضد كل شيء . ففي السيرك يتعرض للضرب والتحميل وفي بقية المشاهد هو الشاهد على سلخ جلود الكلاب وتحنيطها وهو ايضا هناك حيث يختلف المشجعون في ملاعب كرة القدم ليتحول الخلاف الى اقتتال مميت . ولا تنتهي المشاهد وصول الى المشهد النهائي مرورا بالمواقف عند الحود والتهريب .


اما المشهد النهائي حيث يساق مع مجموعة من الابقار الى الذبح . مع اشارة في مشهد سابق الى ان لحوم الحمير تتحول في اوروبا وفي ايطاليا بالذات الى – سلامي – !


الفيلم لا يبكي على الحمار و الحيوان بل يعري الانسان وتوحشه وعدوانيته وفتكه بكل شيء حتى ذاته .


سينما جيري او يرزي سكولوموفيسكي من النوع المختلف انه لا يقدم النساء ليغري المشاهد او يقدم العري او حتى المغامرات بل يذهب بنا الى حكاية حمار ومن خلال عيونه يورطنا في متاهات من التحليل والعمق وابواب ودهاليز كل منها صراخ محتوم والم محبوس ودموع لا نعرفها وكلمات لا نفهمها وصراخ لا نعلم مكنونه واسراره .


فيلم – اي او – ليس بالفيلم التقليدي الذي تشاهده وتفارقه بل هو فيلم تذهب الية ليسكنك .. يأسرك .. يوجعك بالمه .. يدعوك لان تتامل حولك لمن هم معك في هذا الكون .. شركاء وليسوا مجرد وجبة سريعة .


برافو كبيرة نقولها للمبدع البولندي جيرزي سكولوموفسكي علي تحفته التى ستكون حديث العالم خلال هذا العام والى مسيرته الحبل بالانجازات والتفرد ونشير لابرزها ومنها افلام – الاقلاع – و – نهاية عميقة – و – مغامرة جيرارد – و – الملم والملكة والسكين – و الايادي للاعلى – و – ضوء القمر – و اربعة ليالي مع ايما – وغيرها من الابداعات السينمائية البولندية الخالدة .


انها سينما من نوع مغاير .. تدعونا لمزيد من الحوار .. والتامل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى